حكى ابو المهيجاء عمران بن شاهين
قال: كنت أساير معتمد الدولة (ابا المنيع قرواش) بن المقلد ما بين سنجار ونصيبين، فنزلنا ثم استدعاني بعد الزوال وقد نزل بقصر هناك يعرف بقصر العباس ابن عمرو الغنوي وكان مطلا على بساتين ومياه كثيرة، فدخلت عليه، فوجدته قائما يتأمل كتابة على الحائط فقرأتها فاذا هي:
يا قصر عباس ابن عمرو***كيف فارقك ابن عمروك
قد كنت تغتال الدهور***فكيف غالك ريب دهرك
واهاً لعزك بل لجودك***بل لمجدك بل لفخرك
وتحتها مكتوب (كتبه علي بن عبدالله بن حمدان بخطه في سنة احدى وثلاثين وثلثمائة) وهذا الكاتب هو سيف الدولة بن حمدان ممدوح المتنبي. وقال الرواي وكان تحت ذلك مكتوب:
يا قصر ضعضعك الزمان***وحط من علياء قدرك
ومحى محاسن اسطر***شرفت بهن متون جدرك
واهاً لكتاتبها الكريم***وقدره الموفي بقدرك
وتحته مكتوب (وكتبه الغضنفر بن الحسن بن علي بن حمدان بخطه في سنة اثنين وستين وثلاثمائة) وهذا الكاتب هو عدة الدولة بن ناصر الدولة، الحسن اخو سيف الدولة وتحت ذلك ايضا مكتوب:
يا قصر ما فعل الاولى***ضربت قبا بهم بعقرك
اخنى الزمان عليهم***وطواهم بطويل نشرك
واهاً لقاصر عمر من***يختال فيك وطول عمرك
وتحته مكتوب (وكتبه المقلد بن المسيب بن رافع بخطه سنة 388) وهذا الكاتب هو ابو حسان المقلد بن حسام الدولة المسيب العقيلي صاحب الموصل و تحت ذلك مكتوب:
يا قصر ما صنع الكرام***الساكنون قديم عقرك
عاصرتهم فبددتهم***وشأوتهم طراً بصبرك
ولقد اثار تفجعي***يا بن المسيب رقم سطرك
وعلمت اني لاحق***بك دائب في قفو اثرك
وتحته مكتوب (وكتبه قرواش بن المقلد بن المسيب بخطه في سنة احدى واربعمائة) قال الراوي: فتعجبت من ذلك وقلت لقرواش الساعة كتبت هذا ؟
قال: نعم، وقد هممت بهدم هذا القصر فانه مشوم قد دفن الجماعة فدعوت له بالسلامة وانصرفنا ولم يهدم القصر.
وبين ما كتبه سيف الدولة وما كتبه قرواش سبعون سنة، ذكر ذلك ابن خلكان في تاريخه (وفيات الاعيان