السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الموضوع واضح من عنوانه واسالكم الدعاء
مع أنّ هشام بن عبد الملك كان ولياً للعهد في ذلك الوقت الذي بلغت فيه الدولة الأموية أوج عظمتها وتسلّطها. إلاَّ أنه لم يستطع الوصول إلى (الحجر الأسود) بعد أن أتمّ طواف الكعبة، بالرغم من محاولته اليائسة.
كان حُجَّاج بيت الله الحرام يرتدون لباساً واحداً هو لباس الإحرام، وكانوا مشغولين بأعمال واحدة هي أعمال الحج، وكانوا مستغرقين بأحاسيسهم الأخروية التي تشغلهم عن كل شخصية ومقام فكانوا بذلك سواسية لا يفرّق بينهم شيء.
أما هشام فكان قد جلب معه الرجال والحشم ليحفظوا له أبّهته وفخامته، وكان هؤلاء صاغرين ازاء عظمة الحجّ وسموّه المعنوي.
كرَّر هشام محاولته اليائسة للمس الحجر ولكنه رجع خائباً لشدة الازدحام واجتماع الخلق، فأمر بأن ينصب له عرش على مكان مرتفع حتى يقيّض له النظر إلى الحجيج وليملأ عينيه بتفرجه على هذا الاجتماع المهيب.
وبينما هو وحاشيته على هذه الحال إذ شاهد رجلاً يعلو سيماءه التقوى والورع، يغطي جسمه قميص أبيض مثل سائر الحجاج، بدأ بالطواف حول الكعبة ثم توجه بخطوات مطمئنة يريد لمس الحجر الأسود، فلما راه الناس انفرجوا قسمين وتنحّوا عنه هيبةً وإجلالاً.
دُهش الشاميّون لهذا المنظر العجيب ولم يستطيع أحد أن يمسك نفسه عن أن يسأل هشام قائلاً: من هذا يا أمير المؤمنين؟
فأجاب هشام: لا أعرفه.
والحقيقة أن هشاماً كان يعرفه حق المعرفة إلاَّ أنه قال ذلك حتى لا يرغب أهل الشام به.
ترى من الذي يملك الجرأة في تعريف هذا الشخص.. ومن ذا الذي لا يخاف سيف هشام وسطوته، فيقدم على تعريف الرجل الشامي بهذا الرجل؟
لم يوجد من هو أشجع من الفرزدق الذي لم يبالِ بما سيلحقه من تشرّد وأذى إن هو أجاب، فقال: أنا أعرفه!
فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟
فأنشأ الفرزدق قصيدته الغرَّاء في مدح الامام زين العابدين، علي بن الحسين (ع) والتي منها:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم
وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من انكرت والعجم
فغضب هشام لسماع هذه القصيدة وقال للفرزدق: ألا قلت فينا مثلها؟ فقال الفرزدق: هات جداً كجده وأباً كأبيه وأماً كأمه حتى أقول فيك مثلها؟ فأمر هشام بحبسه في )عسفان( بين مكة والمدينة فحُبس ولكنه لم يأبه بذلك، فلما بلغ خبره علي بن الحسين (ع) بعث إليه باثني عشر الف درهم وقال: اعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به، فردها الفرزدق وقال:
يا ابن رسول الله ما قلت فيك الذي قلت إلاَّ غضباً لله ورسوله وما كنت أريد أن أرزق عليه شيئاً. فردَّها الامام (ع) ثانية إليه وقال: بحقي عليك، تقبَّلها فقد رأى الله مكانك وعلم نيّتك، عند ذلك قبلها الفرزدق. وهذه هي القصيده
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحـلُّ والحرمُ
هذا بن خير عباد اللـه كُلُّهمُ
هذا التقـي النقي الطاهرُ العلمُ
هذا بن فاطمةٍ انْ كنت جاهله
بجـده انبيـاء اللـه قد ختموا
وليس قولك منْ هـذا بضائـره
العرب تعرف من انكرت والعجمُ
كلتا يديه غيـاث عـم نفعهمـا
يستوكفان ولا يعروهمـا عـَـدمُ
سهـل الخليقـة لاتخشى بوادره
يزينه اثنان حِسـنُ الخلقِ والشيمُ
حـمّال اثقـال اقوام ٍ اذا امتدحوا
حلـو الشمائـل تحـلو عنده نعمُ
ما قـال لاقـط ْ الا فـي تشهده
لولا التشهـّد كانـت لاءه نـعمُ
عـمَّ البريـة بالاحسـان فانقشعت
عنها الغياهب والامـلاق والعـدمُ
اذا رأتـه قريـش قـال قائلهـا
الى مكارم هذا ينتهـي الكـرمُ
يُغضي حيـاءً ويغضي من مهابته
فلا يكلـُّـم الا حيـن يبتسـمُ
بكفـّـه ِ خيـزرانُ ريحهـا عبـق
من كـف اروع في عرنينه شممُ
يكـاد يمسكـه عرفـان راحتـه
ركن الحطيم اذا مـا جاء يستلمُ
اللـه شرّفه قدمــاً وعظـّمــه
جرى بذاك له في لوحـة القلـمُ
ايُّ الخلائق ليست فـي رقابهـمُ
لأوّلـيـّـه هـذا اولـه نِـعـمُ
من يـشكرِ الله يـشكراوّليــّه ذا
فالدين من بيت هذا نالـه الامـمُ
ينمي الى ذروة الدين التي قصرت
عنها الاكف وعن احراكهـا القـدمُ
منِ جده دان فِضل الانبياء لـه
وفضل امتـه دانـت لـه الامـمُ
مشتقة من رسول اللـه نبعتـه
طابت مغارسه والخيـم والشـيـمُ
ينشق نور الدجى عن نور غرته
كالشمس تنجاب عن اشراقها الظلمُ
من معشرٍ حبهم ديـنٌ وبغضهـمٌ
كفر ٌوقربهـم منجـى ومعتصــمُ
مقـدّمٌ بعـد ذكـر اللـه ذكرهـمُ
في كِلّ بدءٍ ومختوم بـه الكـلـمُ
إن عـدَّ اهل التقى كانـوا ائمتهم
او قيل من خيراهل الارض قيل همُ
لا يستطيع جـوادُ بعـد جودهـم
ولا يدانيهـم قـوم وإن كرمـوا
هم الغيوث اذا ما ازمـة ازمـت
والاسد اسدُ الشرى والبأس محتدم
لا ينقص العسر بسطاً من اكفّهـم
سيّان ذلك إن اثروا وان عدمـوا
يستدفـع الشـرُّ والبلـوى بحبّهـم
ويستربُّ به والاحسـان والنعــمُ
اللهم صلي على محمد وعلى ال محمد