شيخ كريم الحجاري الرميثي {{عضو جديد}}
عدد المشاركات : 93 العمر : 68 الدولة : العراق العمل/الترفيه : لسان الشيعة الناطق محقق ومفسر للقرآن الكريم تاريخ التسجيل : 18/12/2008
| موضوع: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً: من تفاسير الشيخ الحجاري الرميثي السبت فبراير 05, 2011 9:56 pm | |
| قَـد تَجَلى عَزاءُ النَفسِ حِينَما سَخَرُوا --- فَكَيفَ أُطِيقُ صَبراً إذا مالَمْ يُـسْتَطابا شَكَـوْتُ ما يُلْقِـي مِـنَ الأحـزانِ قَلْبِـي --- بِجِرُوحٍ دَعَوْتُ ربَّاً فأَجابني مُسْتَجابا أَجُــدِرْتَ بِجَمْــرةِ لَـوعَــةٍ فَأَطْفَـأتــَها --- لا بِدَمْـعٍ لـِيَزدادَ طـُـولاً بِـنارِهِ الَّـهابـا بُورِكْـتَ بِـأقـلامٍ قــد أبْقَتـها مَـآثِــرُها --- وأضْحى بِـكَ الإحـسانُ مائِـلاً إعـجابا لاتَأسفَنَ على غَدرِ الـزَمانِ وتَنكَسِف --- فلَـطالَما نَبـحَت عَلـى الأسُـودِ كِلاب ا لاتَحسَبنَ بِنباحِها تَعلُوا عَلى أسْيادِها --- تَبقـى الأسُـودُ أسُـوداً وَالكِـلابُ كِلابا يَفعَلُونَ كالحَمِيرِ إذا امْـتَلأَتْ بطُونُهُم --- وَيتَـمادُوكَ بـكَلامِ أَزْفارِهِــمِ الـنـَّغابـا تـُرافِقـُهُم زنابِـيرُ السـِمُـومِ ولَـمْ تَـزَل --- مِـنْ ثـَـنايا فــرُوجِ أوْكارِهِــم أسْرابـا يَمرَحُونَ سَفَهاً والمَنايا تَسِـيرُ مَعَهُم --- تَنتابهُمُ الأمراضُ سُخِطاً قاطِعاً غَـلاَّبا لَـوْ ضَفَرتَ حَقاً لمْ تَجِد فِيهُم صاحِياً --- عِلَلٌ بِعِلَلٍ ماكانَ قَبلَها بغَيرِهِم صَوابا لَـوْ أنَهُـم يُوقِـنـُونَ بالسافِـلاتِ دَركــاً --- لَّـما كـانَ الَّـذِي يَـعِثُ مُفسِـداً وَكَــذابا يَظْلِمُونَ وَلايُظلَمُونَ ماكانَ لِخَصمِهِم --- فَنـزَلَ العَــذابُ بِهِـم وقطَعَهُـم أَسْــبابا وَيا أسَفِي عَلى قَـوْمٍ لِكُثرِ مانَصَحتَهُم --- فَمـا مِـنْهُـم بـــَدا إلاّ السِـهامُ جَــوابـا يا لَيـْتَهُـم حَـــقاً يـُدرِكُــونَ مـَـنازِلـُـنا --- لَجَلبـُـوا العَمُــودَ ونَـصَّبـُـوا الأَطـْـنابا وَاللَّعنَةُ عَلى كُلِّ ظالِمٍ يَدرُك الحَـق بعَقلِهِ ولَم يَقـرُهُ فِي داخِلِ نَفسِهِ ( أقصِدُ: إياكِ أعنِي واسْمَعِي يا جارَة) سُورَةُ البَقرَة الجزْء الأوَلتَفسِيرُ آيَتَينكَـيْفَ تَـكْفُـرُونَ بِاللَّــهِ وَكُنْـتُـمْ أَمــْوَاتـاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُـحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْـهِ تُرْجَعُونَ )آيَـة 28) هُـوَ الَّذِي خَلَـقَ لَكُمْ مَا فِـي الْأَرْضِ جَـمِيعاً ثُمَّ اسْـتَوَى إِلَىالسَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)آية 29) (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ) الآيَةُ هُنا مُسَّوَقَةٌ بأربَعِةِ خِياراتٍ: الأوَلُ مِنهُ اسْمُ (كَيْفَ) وُضِعَ اسْتِفهامٌ لِلسُؤالِ وَلَيْسُ المُرادُ بِهِ اسْتِعلامُ المُخاطِبينَ عَـنْ حالِ كُفرِهِم,, وَإنَما وُضِـعَ المَعنى عَلى صُورَةِ الاسْتِفهامِ لِلإِنكارِ وَالتَوْبيخِ وَالمَعنى فِيها,, يَعنِي كَيْفَ تَكْفِرُونَ باللهِ وَبِآياتِهِ الأثنَي عَشَر وَهنَ بَياناتُ وجُود خَلْق الإنسان ما أوْدَعَهُنَ فِيهِ مِنْ مَنازلِ مَـوْتٍ وَحياةٍ: ثـُمَ مَوْت, ثمَ حَـياة, ثـُمَ الرجُوع إلى اللهِ فتَنَكَرَ اللهُ عَلَيهِم أذيَتَهُم لَهُ وَتَوْبِيخَهُم عَليْها, فَصارَ الخِطابُ لِزيادَةِ تَقرِيعٍ لَهُم لِكُفْرِهِم باللهِ تَعالى,, وَالثانِي: كَيفَ تَكْفُرُونَ باللهِ الخالِقِ بصُورَةِ الاسْتِخْبارِ عَلى وَجْهِ التَعَجُبِ بأنَ عِظَّـمَ النِعمَةََ لا تَقتَضِي عِظَّـمَ مَعصِيَةِ المُنْعِـم: فَهِيَّ نِعمَـةُ الإِحياءِ الأوَل الذِي يَعقِبَ المَوْت بِغِيْرِ تَوَقِفٍ وَهُوَ اللهُ الذِي خَلَقَكُم مِنْ عَدَمٍ وأخرَجَكُم إلى الوجُودِ وَأيُ عَطاءٍ أكْبَرُ مِنْ خَلقِكُم هذا (أَمْ خُلِقـُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) وَالثالِثُ: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَأنتُم تَجْحِدُونَ بِوِّحدانِيَتِهِ وَتَقُولُونَ حالَ ما يَخْلُق الله الكُفرَ فِينا وَحالَ بَينَنا الهُدى عَنْ الإيمانِ وَاللهُ تَعالى يَقُول(وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً)(الإسراء:94) وَالرابِعُ: يَجُـوز أنْ يُحمَلَ هـذا الخِطابُ لأهْـلِ الكِتابِ اليَهُود وَالنَصارى الََّذِينَ آمَنُوا بدَعوَةِ مُوسى وَعِيسى وَلَـمْ يَكْفرُوا باللـَّهِ, وَلكِنْ لَّما جاءَهُم رَسُولُ اللهِ مُصَدَّقاً لِّما كانَ بَيْنَ يَديهِ لَنْ يُصَدِقُوُه فِيما جاءَ بِـهِ مِنْ عِندِ اللهِ فلََقَـد كَفَرُوا,, وَمَنْ يَزْعَم أنَ القـُرآنَ مِنْ كَلامِ مُحَمدٍ فلَقَـد كَفَـرَ باللـَّهِ وَصارَ ناقِضاً لإسْلامِهِ وَبالجُملَةِ أطْلِقَ عَلَيهِم (هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة:44) الَّذينَ خَرَجُوا عَنْ طاعَةِ الرَسُول مُحَمدٍ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ, فإنَ طَاعَتَهُ مِنْ طاعَةِ اللـَّهِ: كَقولِهِ تَعالى (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)(آل عمران32) وَحاشا اللهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى أنْ يَخْلُقَ فِي إدارَتِهِ عَلى الناسِ وجُـوبَ الكُفْرَ بِـهِ فالقِـدرَةُ عَلى الكُفـرِ إنْ كانَـتْ صالِحَـةً لِلإيمـانِ لأمْـتَنَعَ العَـبْـدُ كَوْنِـها مَصْـدراً لِلإِيمانِ عَلى التَعيِّينِِِ بِهُدى اللـَّهِ الَّذِي قالَ (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(القصص:56) الهُدَى: هُوَ الرَّشادُ وَالدَّلالةُ، وَيُؤَنَث وَيُذَكَّر: يُقال هَداهُ الله لِلدِّينِ هُدىً وَهَدَيْتُهُ الطَّريقَ وَإلى الطَّريقِ هِدايَةً: أي عَرَّفتـُهُ دَينَهُ,, وَالهَادِي هُوَ اللـَّهُ الذِي بَصَّـرَ عِبَادَهُ وَعَرَّفَهُم طَريقَ مَعْرِفَتِهِ حتَّى أقـَرُّوا بِرُبُوبيَّتِهِ,, وَهَـدَى كُـلَّ مَخْلُوقٍ إلى ما لا بُـدَّ لـهُ مِنهُ فِي بقائِهِ وَدَوامِ وجُودِهِ بِنعمَتِهِ إلى الحَقِّ في صِراطٍ مُستَقيمٍ وَتأوِّيلُنا: لِهـذِهِ الجُمْلَةَ بالجُمْلَةِ الاسْمِيَةِ التِـي اقتَضَـت بِمُخاطَبَةِ أولئِكَ اللَّذِينَ كَفَرُوا هِيَّ على سَبيلِ التَهَكُمِ لإنكارِهِم غَيْبيات دَعوَة البَعث وَالنشُور فَذَكَرَهُم اللهُ تَعالى بِلَوائِحِ دَلالاتِهِ, وَلَوامِعِ آياتِهِ, وَبرهان قُدرَتِـهِ: وَالحالَةُ إنَكُم (كُنْتـُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ) هذِهِ الآيَة وَغيرُها لا يَنْطبِقانِِ فِي نَظَرِ دُعاءِ الانْتِباهِ عَما يُقال الحَمْدُ لِلَّهِ الذِي أحْيانا بَعدَ مَا أماتََنا وَإليهِ النشُورُ فالمَعنى كُنتـُم أمْواتاً: يُشِـير اللهُ تَعالى بِقولِهِ لَهُم قَوْلٌ اسْتِخباريٌ لِكُفرهِم بإنكارهِم الصانِع وَالجَهْلُ بهِ أي كُنتُم مَعدُومِينَ قبْلَ أنْ تُخْلَقـُوا إلى الدُنيا كَما يُقال لِلشَيءِ الدَّارسِ مَيْت,, بَـلْ كُنتـُم مَيِّتِيـنَ فِي الأصْـلابِ حِينَما كُنتـُم نطْفَـةً أجزاءُها مُتساوِّيَـةٌ فِـي الأرحامِ (فَأَحْيَاكُمْ) بِـها: وَأخْرَجَكُم بَشَـراً إلى الدُنيا أحياءً تـُرزَقون: ثـُمَ أماتَكُم المَوْت المَعهُود, ثُمَ يُحيِّيَكُم لِلبَعثِ مِنَ يَوْم النشُور هذا ما صَحَ عَنْ ورُودِ الآيَة بأنَهُم (قَالُوا) عَلى قَرينَةِ السِياقِ (رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثنَتَيْنِ فَاعتَرَفنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ)(غافر11) الآيَة إنَها مِنْ قَوْلِ اليَهُود بَعدَ اعتِرافِهِم بالذَنبِ الذِي ذَكَرَّهُم اللـَّهُ بِـهِ وَأشارَ لَهُم حَياةُ الذَّرِ حِينَ أسْتَخْرَجَهُم مِنْ صُلْبِ آدَم ذُريَةً وَقالَ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا) هـذا ما دَلَّ عَلى اعترافِهِم بأنَهُم خُلِقـُوا نـُطَّفاً فِي الأرْحامِ فَأَحْيَاهُم اللـَّه بِنَفـخِ الرُوحِ في أجْسادِهِم, ثـُمَ أماتَهُم عِنـدَ انْقِضاءِ آجالِهِم, ثـُمَّ أحياهُم عِنـدَ البَعثِ لِحِسابِهِم, ثـُمَ على سَبيل الخِرُوج لِيُسْكِنَهُم اللـَّه إمّـا الذهابُ إلى الجَنةِ, وَإمّا السَّوْقُ إلى النار,, وَأما بَعضَهُم فقَد أماتَهُ الله ثَلاثُ مَراتٍ فَلَمَسُوا بَعَودَتِهِ حَياً بَعدَ مَوتِهِ مائَةَ عامٍ وَهُوَ النَبيُ عُزَيْر(ع) قالَ رَبُكَ (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثـْتَ قَالَ لَبِثـْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ)(البقرة:259) فالمَوْتُ: هُوَ الذِي يَقـَعُ علَى أنـْواعٍ بحَسَبِ أنـْواعِِ الحَياةِ، فَمِنهُ ما هُـوَ بإزَاءِ زَوالُ القـُوَّةِ الحِسِّيَّةِ: كَقولِهِ تَعالى (يَا لَيْتَنِي مِـتُّ قَبْلَ هَـذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً) وَمِنْهُ زَوالُ القُوَّةِ العاقِلةِ وَهيَّ الجَهالَّة كَقولِهِ تَعالى (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ) يَعني: أحْيَيناهُ بِذِكْرِ القُرآنِ الكَريم: أيْ هَداهُ الله إلى الإسْلامِ,, وَمِنْهُ الحُزْنُ الناشِىءُ, والخَوْفُ المُكَـدَّرُ لِلحياةِ، كَقولِـهِ تَعالى (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ)(ابراهيم:17) أي:عَذابَهُ في الدُنيا مُباشَرَةً, وكُلَّ عَذابٍ هُوَ سَبَبٌ لِلمَوْتِ الذِي لا نَجاةَ لهُ مِنَ العَذابِ التابِع لَهُ,, وَمِنهُ المَوْتُ فِي حالِ المَنامِ كَقولِهِ تَعالى قالَ (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفـُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَـمْ تَمُـتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَـوْتَ وَيُـرْسِلُ الْأُخْـرَى إِلَى أَجَـلٍ مُسَمّىً) (الزمر42) أي: هُوَ اللـَّهُ الذِي يَقبضُ الأرْواحَ مِنَ الأجْسادِ حِينَ النَومِ وَاليَقظَةِ فَسُبْحانَهُ جَلَّ وَعَلا أرادَ أنْ يَقطَعَ تَعلُقَ النَفْس مِنَ الأجسادِ بِاخْتِيارَينِ,, أحدَهُما تَعَلُقاً تَََصْرِفاً ظاهِراً وَباطِناً فِي المَوْتِ يَقظَةً,, وَالثانِي ظاهِرٌ فِي النَومِ فقَط, وَتأوِّيلُ (يَتَوَفَّى) كَأنكَ تَقول أوْفَى اللهُ ذِمَّتَكَ: أي أتَمَّها, وَوَفَيْتَ ذِمَّتُكَ: أي أوْفى اللـَّهُ النفَس وَافِيَةٌ بِضَمانِها خارجَةٌ مِنَ الجَسَدِ كَما تَقُول قَـد أوْفَى فُلانُ عَلى سِلْعَةٍ: أي أشْرَفَ وَاطَّلَعََ, وَدَلِيلُنا آيَـةٌ مِنَ باطِنِ القرآن: قالَ (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ)(ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) فأطْلَقَ اللـَّهُ تَعالى إلى النَفسِ القـُرْبِ,, وَالنَفسُ فِي هَذَيْـنِ الحَدِيثَينِ هُـوَ اسْـمٌ وُضِعَ مَوْضعَ المَصْدَرِ الحَقيقِي مَنْ نَفسَ يُنَفِّسُ تَنْفِيساً وَنَفَسا: وَمَعناهُ إنَ اللهَ جَعَلَ لِلنَفسِ ساعَةً كَساعةِ الدُنيا لِقرْبِِها, بَلْ أرادَ اللهُ إنِّي بُعِثتُ فِي وَقتٍ قَرِيبٍ مِنها أَحُسُّ فيهِ بِنَفَسِها: كَما يُحسُّ بنَفَسِ الإنسان إذا قَـَرُبَ المَوْتَ مِنهُ: وقالَ (وَالَّتِي لَـمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) فالنَومُ بَعدَهُ إرسال الرُوح وَالمَوتُ وَالنَومُ كِلاهُما واحِدٌ, وَالمَوْتُ لا رَجعَةٌ بَعدَهُ: يُقال نـامَ فلانُ وَغيرُهُ إذا مـاتَ, وَالنائِـمُ المَيِّت وَهُوَ الخامِلُ الذِّكْر الذِي لا يُؤْبَه لَـهُ,, وَحَذاري لا تَقولَ مَنْ هُوَ المُتََوفِي اليَوْم فيَكُونَ الجَواب اللهُ المُتََوَفِي: يَعنِي اللهُ المَيِّتُ وَاللهُ حَيٌّ لا يَمُوت: فإذا أرِدتَ أنْ تَقَول فقـُل مَنْ هُوَ المُتَوَفى بِمَدِ الألف المَقصُورَة سَيَكُون الجَواب هُوَ اللهُ المُتَوَفِي القابضُ بِرُوحِ الإنسان,, (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) يَمْسِكُ اللهَ النَفس وَلا يَردُها إلى البَدَنِ,, كَما تَقول: أمْسَكْتُ الشَيءَ وَبالشَيءِ ومَسَكْتُ بِـه وتَمَسَّكتُ وَاسْتَمْسَكْتُ,, (وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى) أي يُرْسِلَ اللهُ النَفسَ التِي لَمْ يَقضِيَ عَليها المَوْت إلى بَدنِهِا عِندَ اليَقظةِ مِِنَ النَومِ, وَمَعناهُ سَمِّيَّ النَّومَ مَوْتاً لأنَهُ يَزُولَ مَعَهُ العَقل وَالحَركَةُ تَمْثِيلاً وَتَشْبيهاً لاتَحقِيقاً بالمَوْتِ (إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً) هُوَ الوَقتُ المَحدُود لِلمَوْتِ أقول إنَ مِنْ سَفهِ الكَلامُ عِندَ الناسِ إذا ماتَ الإنسانُ قالُوا انتَقلَ إلى لِقاءِ رَبِهِ وَخَصُوهُ بالرَحمَةِ دُونَ الحِسابِ كَلاَّ المَوتُ دُونَ لِقاءِ اللـَّهِ بَلْ هُوَ الرَجْعةُ إلى مَثواهِ الأخِير يَعني: مَنْ أَحَبََّ لِقاءَ اللَّهِ أحَـبَّ اللَّهُ لِقاءَهُ، ومَـنْ كَـرِهَ لِقاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللّهُ لِقاءََهُ,, وَالمُرادُ بلِقاءِِ اللهِ المَصِيرُ إلى الدار الآخِرةِ وَطَلَبُ ما عندَ اللهِ, وَلَيسَ الغَرضُ بـهِ المَوْت, لأنَّهُ الكُلَّ يَكْـرَه المَوْت،, فمَنْ تَرَكَ الدُنيا وَأبْغَضَها أحَبَّ لِقاءَ اللـَّه وَمَنْ آثـَرَها وَرَكَنَ إليها كَرَهَ لِقاءَ الله,, لأنَهُ إنما يَصِلَ إلى اللهِ بالمَوْت وَلَيْسَ الِلقاءُ بِـهِ وَالدَليلُ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) لِكَي يَعلَـمَ الناسُ أنَ مِـنْ وَراءِِ المَوْت لَيْسَ الِلقاءُ: إنَما البَعـْثُ, وَهُوَ يَـومُ الرَجْعَةِ لِتَطْبيق مَعنى الآيَـة (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ) وَقـدْ يُسْتَعارُ المَوْت لِلأحوالِ الشاقَّةِ كَالفُقرِ وَالذُّلِّ وَالهَرَمِ والمَعصِيَةِ وَغيـرُ ذلِك: قالـُوا (فَاعْتَرَفـْنَا بِذُنُوبِنَا) قبْـلَ أنْ يُلاقِيَنا المَوْتُ, ذلِكَ لانْحرافِهِم عَنْ السَبيلِ والاعتِرافُ بالذنبِ يَـدلُ على حُصولِ اليَقِينِ باللـَّهِ: ثـُمَ قالُوا (فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) العَذابِ المَوعُودِ مَهْما كانَ الجُرْم ما حَمَلْناهُ مِنْ أعمالِ السُوءِ,, الجَوابُ: سَبيلُ الله عامٌّ يَقَعُ عَلى كُلِِّ عَمَلٍ خالِصٍٍ سُلِكَ بـهِ طَريق التَقرُّب إلى اللهِِ بأَداءِِ الفَرَائِضِِ وَالنَّوافِلِ وَأنْواعِ التَطَوِّعاتِ وإذا أُطْلِقَ العَمَلُ الصالِح فهُوَ فِي الغالِبِ وَاقعٌ على المََغفِرَةِِ وَالخرُوجِِ مِنَ العَذابِ,, (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) اللـَّه عِنـدَ إنقِطاعِ أجَلِكُم مِـنَ الدُنيا,أي أنهُم يَتَعجَّلُونَ بالمَوْتِ وَلا يَتَأخَّرُونَ (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) تارَةً أخْرى فِي عالَمِ البَرْزَخِ فمَنْ ماتَ فقَد دَخَلَ البَرْزَخَ ما بَيْنَ الدُنيا وَالآخِرَةِ قبْـلَ الحَشْرِ مِـنْ وَقتِ المَوْتِ إِلى البَعث، فـَسُمِيَّ حاجِـزٌ خَفِيٌ مِنْ قِدرَةِ اللهِ تَعالى لا نَراهُ كَما لا نَرى المَيِّتُ حَياً فِي بَرْزَخِهِ, وَكُلُّ بَرْزَخٍ هُوَ حاجِزٌ ما بَيْنَ شَيْئَينِ فَصارَ مانِعٌ مِنْ حَيْثُ لا يَسْتَطِيعُ الإنسانَ بعـدَ إحيائِهِ فِي بَرْزَخَـهِ أنْ يَتَسَلقَ إلى الحَياة الدُنيا وَلا الآخِـرَةِ,, كَما وَرَدَ عَنهُ فِي كِتابِـهِ تَعالى: وَقال (وَمِـنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثـُونَ)(المؤمنون:100) فَليَعلَمَ الإنسانُ بِأنْ لا يَهْمِلَ النَفسُ عَنْ سَبيل تَقواها: لأنَ المُرادَ بالمَوْتِ الأوَلِ العَدَمِ السابِقِ قَبْلَ النَشْأةِ الأولَّى, وَبالحَيَاةِ الأُولَّى هِيَّ النَشْأةُ الأوَلَّى وَبالمَوْت الثانِي هُـوَ المَوْتُ المَعهُود الذِي يَخْرجُ عَـنْ سَبيلِ الحَياةِ الدُنيا, وَأمـّا الحَياةُ الثانِيَةِ هِيَّ الحياةُ لِلبَعثِ مِنْ يَوْمِ النِشُور: كَما وَرَدَ عَنهُ فِي قولِهِ (ثـُمَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يَومُ القِيامَةِ وَهُوَ يَوْمُ النِشُورِ ذلِكَ لِجَزاءِ كُلّ نَفسٍ بِما كَسَّبَت مُحضَرَةً بِعَمَلِها إذَا تَكامَلَت العِدَّتان عِندَ اللـَّهِ, عِدَّةُ أهْلَ الجَنةِ, وَعِدَةُ أهْلَ النَّارِ: قَامَتْ القِيامَة وَفي تفسِير القمَّي ج1 لأبي الحَسَن عَلي بن إبراهِيم قالَ بتَفسيرِهِ لِهذهِ الآيَة (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ) أيْ نُطفَة مَيِّتَة وَعَلَقَة وَأجْرى فِيكُم الرُوح فأحياكُم (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) بعَدها (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) فِي القِيامَةِ (ثـُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وَالحَياةُ فِي كِتابِ اللهِ عَلى وجُوهٍ كَثِيرَةٍ فمِنَ الحَياة ابتِداء خَلْق الإنسان: انتهى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) أيْ: ذَكَرَ اللـَّهُ أمْـرَ الأرضَ أولاً ثـُمَ أتَبَعَها بِذِكْرِ السَماءِ ثانِيَةَ لِيَتَوَقَفَ عَليها بِقائَكُم وَيَتِمَ بِها مَعاشَكُم وَتَنتَفِعُوا بِها فِي دِينِكُم وَفِيها لِغَرَضِ عاقِبَةِ المَوْتِ مَقابِرَكُم, وَمَا يُريدُ اللهَ كُلُّ مافِي الأرضِ إلا ما يَعُمَ بِها جِهَةِ الأسْفَل كَما يُريد بالسَماءِ جِهَةِ العِلُو,, وَالمُرادُ مِنْ مَعنى الآيَة في قَوْلِـهِ تَعالى: قالَ (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) لاشْتِمالِكُم فِيها عَلى أسْـبابِ المَطاعِـمِ وَالمَشارِبِ وَالمَناكِح التِي تَجْعَـلُ فِيكُـم اللَّذةُ مِنْ فنُـُونِ جَمالِ النِساءِ,, وَقـد اسْتَدَلَ اللـَّهُ بقوْلِهِ عَلى الأشْياءِ التِي فِي الأرضِ لا مَحظُورَةً: بَلْ يَصِحُ بِها الانتِفاعُ لِكُلِّ أحَدٍ أن يَتَناوَّلَها وَيَسْتَنفِعَ بها مَعَ دَلالَةِ العَقلِ بِمُقتَضى إباحَةِ الأشْياءِ النافِعَةِ: مِنها التِي لا يَمْنَعَ اللـَّهُ تَعالى اختِصاص بعضُها عَنْ بَعضٍ لأسْبابٍ عارِضَةٍ، فإنَهُ يَدِّلُ عَلى أنْ الكُلَّ ما فِيها لِلكُلِّ لا أنَ كُـلَّ واحِـدٍ مِنها لِكُـلِّ واحِـدٍ يَمْلِكُهُ: وَِلِكَوْنِها نِعمَةٌ جَعَـلَ اللـَّهُ تَعالى أسْبابَ الوَحشِةِ وَالمَشَقَةِ بأهْلِها مِـنْ أنَـواعِ المَكارِهِ: كَالزِلـْزالِ, وَالصَواعِقِ وَالنِيرانِ وَالسِباعِ وَالسِمُومِ وَالغِمُومِ وَالأحزانِ وَالمَخاوِّفِ: فالأرْضُ هِـيَّ أمُ الإنْسان سُمِيَّ أرْضاً لأنَها تُأرِّضَ الإنسانُ بالتَأنِي وَالانتِظارِ إلى قِيامِ الساعَةِ التَي يَمُوتَ فِيها, كَما يُقال فُلانٌ مُتَأرِّضٌ وَهُوَ المُتَثاقِلُ إلى الأرضِ,كَذلِكَ هِيَّ أرْضٌ أرِيضَةٌ لِلنَباتِ: أيْ خَلِيقَة,, وَعَن سَلمانِ المُحَمَدِي أنَهُ قالَ: سَمِعتُ رَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ: يَقول (إن اللهَ خَلقَ يَوْم خَلقَ السَماوات وَالأرض مائَةُ رَحمَة كُلُّ رَحمَةٍ مِنْها طِباقها السَماواتِ وَالأرضِ فأنزَلَ اللهُ تَعالى مِنها رَحمَة واحِدَة: فبِها تَتَراحَمُ الخَلِيقَة حَتى تَرحَمَ البَهِيمَةُ بهيمَتَها، وَالوالدَة وَلدَها, فإذا كانَ يَـومُ القِيامَةِ جاءَ اللـَّهُ بتِلكَ التِسِـعِ والتسْعِينَ رَحمَة، وَنـزَعَ تِلكَ الرَحمَة مِـنْ قلـُوبِ الخَلِيقَةِ فأكْمَلَها مائَةَ رَحمَةٍ ثمَ يَضَعُها بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ فالخائِبُ مَن خُيِّب مِنْ تِلكَ المائَةِ رَحمَة (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) هـذِهِ الآيَة المُبارَكة قَـد ابتَعَـدَ عَـنْ تَأوِّلِها المُفسِرينَ فَقال بَعضَهُم نَقرَؤُها وَنؤمُنَ بِها وَلا نُفَسِرُها، وَبِمثلِها كَما رَوِّيَّ عَنْ مالِكِ بنِ أنَس أنَ رَجُلاً سَألهُ عَـنْ قوْلِهِ تَعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه:5) فَقالَ مالِك الاسْتِواءُ غَيْر مَجْهُولٍ، وَالكَيْفُ غَيْـر مَعقولٍ, والإيمانُ بـهِ واجِـب والسُؤال عَنهُ بِدعَةً،وَمَّا أراكَ إلا ضالاً فأخْرَجُوا الرَجُل مِنْ المَجلِسِ وَطرَدُوه فَسألُوا عَنهُ فإذا هُوَ جَهْمُ بن صَفوان وَقالَ بَعض المُفسِرينَ نَقرَؤُها وَنُفَسِرُها عَلـى ما يَحتَمِلُهُ ظاهِر اللُغَةِ: وَنَقولُ لَكُم عَنْ تَأوِّيل الآيَة لَها وَجْهان, أحدَهُما بِقولِهِ (اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) أيْ صَعَد أمْرُ اللهِ تَعالى إلى السَماءِ أيْ قَصَدَ إليها بِقدرَتِهِ وَمَشِيئِتِهِ يُريدَ فِيها خَلقٌ آخَر لا يَنقِصُها شَيء بَعدَ أنْ صَعَدَ أمْرُهُ إليْها وَأصْلُ الاسْتِواء أرادَ اللهُ بِهِ طَلَبُ السَماء وَإطلاقَهُا عَلى الاعتِدالِ لِّما فِيها مِنْ تَسْوِّيَةٍ بِيَّدِه: أوْ هُوَ الإقبالُ عَلَيها حَتى بَلَغَ الاسْتِواءُ بِخَلقِها فَجَعَلَها هِيَّ العُلْيا مُحكَمَةً فِي خَلقِها بغَيرِ تَفاوِّتٍ كأنَكَ: تَقول بَلَغَ الرَجُلُ الأَربَعِينَ غايَةَ الاسْتِواءِ وَكَمالِ العَقل فَهُوَ مُتَكامِلُ لا عِيُوبَ فِيهِ,, وَأمَّا التَأوِّيلُ الثاني: أيْ أقبْلَ اللهُ تَعالى إلى خَلْقِ السَماءِ كَما بَيَّنَ عَنها: وَقالَ (رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا)(وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا)(النازعات:29) وَفِي آيَةٍ أخْرى قال (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا) (النازعات:27) وسَبَب نـزُول الآيَـة جاءَت بَـيانٌ لِلتَذكِير: كَأنَـهُ سُبْحانَهُ يُشِـيرُ إلى المُشْركِينَ بِقولِهِ (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثمَّ يُحْيِيكُمْ ثـُمَّ إِلَيْـهِ تُرْجَعُونَ) بَلْ أتى اللهُ تَعالى بصِيغَة تَكْفُرُونَ مُضارعاً وَإنْ كانَ الكُفْرُ قـد وَقعَ مِنهُم ماضِياً وَالمَعنى فِيـه,, يَعنِي كَيْفَ تَكْفرُونَ وَأنتـُم تَعلَمُونَ بقدرَةِ خالِقِكُم الذِي أحيّاكُم بَعدَ أنْ كُنتُم مَيِّتِينَ فِي الأصْلابِ أوْ الأرحامِ عَلى أنَ المَوْتَ الأوْل هُوَ مُفارَقَةُ النُطْفَة إلى الرَحم فهِيَّ مِيِّتَة إلى نَفْخِ الرُوحِ فَيُحيِّها اللهُ بالنَفخِ ثـُمَ يَخلِقَكُم وَيَخرِجَكُم إلى الدُنيا أحياءً تُرزَقُون: وَلأنَهُ خَلَقَ مافِي الأرض مُسَخَراً لَكُم فكَيْفَ يَعَجَز عَنْ إعادَتِكُم بَعَدَ مَوتِكُم إليهِ مِنَ اليَومِ الآخِر: ألَيْسَ اللهُ تَعالى هُوَ الذِي يَفْصِلُ عَنكُم الدُنيا بالآخِرَةِ ثـُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ: أي تَرجَعُونَ إلَيْهِ دُونَ سواه, فَيَجْمَعَكُم فِي اليَوْمِ المَوعُودِ وَيَتَوَلى حِسابَكُم بِإشْرافِهِ, وَيَجْري عَليْكُم حُكْمُهُ بمقتَضى عَدلَه: قالَ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ)(وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)(الزلزلة: وَهذا لا يَخفِيَّ عَلَيْكُم بأنَ الإِماتَةَ فَقـَد شاهَدتِمُوها بأعيِّنَكُم بَيْنَ الحِينِ وَالآخَـر وَأمَّا البَعث فقَد أخْبَرَكُم الله تَعالى عَنهُ بما يَدل عَلى صِحَةِ العَقل بأنَهُ هُوَ الذِي (أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً)(النحل:78) وَهذا لا يَنفِي أدلَـة النَقل العَقلِيَة بأنَ الذِي خَلَقَكُم أوَلَ مَرَةٍ مِنْ عَـدَمِ لا وجُـودَ لَـه, فإنَهُ قادِرٌ على إحيائِكُم وإعادَتِكُم بَعدَ مَوْتِكُم: وَقَوْله (ثَّـمَ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ) (ثـُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ)(المؤمنون:16) فَالآيَةُ إشْعارٌ بأنَ الذِي خَلَقَكُم هُوَ الذِي خَلَقَ السَماء (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) بَـلْ: أرادَ اللـَّهُ تَعالى بِحكْمَتِهِ لِيَلْفِـتَ عِقـُولُ البَشَر مِمّا يُشاهِدُونَهُ مِنْ خَلْقِ السَماواتِ وَالأرض فقالَ(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) لَكُم عَلى تَأخِيرِ دَحُـوِّ الأرض المُتَقَدِم على خَلْقِ السَماءِ ما فِيها مِـنْ تَسْوِّيَةٍ بَعدَما (كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُُؤْمِنُونَ) الأنبياء30 فلْيَعلَمَ المُشْركُونَ أنَ مِنْ قدرَةِ الله الخالِقِ وَعلْمِهِ كَيْفَ يَجْحُد أوْ كَيْفَ تَنسِبُونَ إليهِ العَجْز عَنْ إعادَتِكُم مِنْ يَوْمِ النِشُور: مَعَ أنَـهُ سُبْحانَهُ قَـد خَلَقَ السَماواتُ وَالأرضُ: أفـَلا تُفَكِرُونَ بَعدَما خَلَقَ لَكُـم الدُخان مِـنَ الماءِ قـبْلَ دَحيِّي الأرضِ (ثـُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) فَجَعلَ مِنَ السَماءِ سَبْعاً ثم بَسَطَ الأرض وَفتَقَها سَبْعاً وَهُنَ بَعـض فـَوَقَ بعضٍ كَالسَمواتِ يَفصِلُ بَيْنهُنَ البِِحار السَبْـع وَتـُظِلُ السَماءَ علَيْهُنَ بأكنافِها وَقالَ (لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَـتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)(فصلت11)(وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) بِعِلْمِهِ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ ما خَلقَ وَقَدَر وَهُوَ اللهُ العالِمُ المُحِيطُ عِلْمُهُ بجَميعِ الأشْياءِ ظاهِرِها وَباطِنِها دَقِيقِها وَجَلِيلِها على أتَمِّ الإمْكانِ,, (انتهى تَفسير الشيخُ الحَجاري) ((نَنقِلُ لكُم أفضَل التَفاسِير الشيعِيَة للعَلامَة محَمد جواد مَغنِيَة: فَخذوها مُقارَنَةً مَعَ تَفسِيرُنا وأعطُونا بَيانُ رأيكُم بَعدَ التَحَقُقِ مِنْ صِحَةِ نَقلِها)) (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) قَوله تَعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ) قالَ وفي كُلِ شيءٍ لَهُ آيةً تدِلُ على إنهُ واحِد (وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً) نُطفاً مِن أصلابِ الآباء(فَأَحْيَاكُمْ) فأخرَجَكُم مِنا ذكوراً وإناثاً,, (ثـُمَّ يُمِيتُكُمْ) بَعدَ الحياةِ (ثـُمَّ يُحْيِيكُمْ) بَعدَ المَوتِ (ثـُمَّ إِلَيْـهِ تُرْجَعُونَ) للحِسابِ والجَزاء (هُـوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) فيه دلالة على إنَ الأصل في الأشياءِ الإباحَة حتى يَثبت العَكـس (ثـُمَّ اسْتَـوَى إِلَى السَّمَاءِ) قَصـدَ إليها بإرادَته (فَسَوَّاهُنَّ) هـذا الضَمـيرُ يُفسِـر قوله تَعالى (سَبْـعَ سَمَاوَاتٍ) وَمعنى سَواهُنَ عدَلَ خَلقهُنَ على ماتقتضيه الحِكمَة (وَهُـوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وَأيضاً غفورٌ رَحيم,,,,, انتهى تفسير جُواد محمد مَغنِيَة) | |
|