اختلاف العلماء في الهلال

سماحة السيد الاستاذ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نما الى علمكم اختلاف علماء البحرين في رؤية الهلال وتحديد بداية شهر رجب
فجماعة ترى ان يوم السبت هو اول يوم من رجب وجماعة اخرى ترى انه يوم
الجمعة ونتج عن ذلك اختلاف الناس في ذكرى الميلاد وذكرى وفاة الامام
الهادي عليه السلام لماذا لا يتوحد العلماء في الهلال وبداية الشهور
الهلالية حتى لا يقع الخلاف والتفرق اليس من الافضل توحيد الاهلة
والمناسبات؟

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحديث حول الهلال واثبات رؤيته طويل الذيل ولكن يمكنني ان اذكر بعض
النقاط التوضيحية كمحاولة صغيرة لدفع اللغط الدائر بين المؤمنين:-
النقطة الأولى:
يمكن للمشرع تبارك وتعالى تأسيس وسن آلية تنتج يوما محددا عند جميع
المسلمين بداية الشهر ونهايته ولا تكون قابلة للاختلاف كما هو الحال في
تحديد الشهور الشمسية بداية ونهاية فهي دقيقة لا مجال فيها للاختلاف
نهائيا.
والشهور الهلالية يمكن ان تأخذ نفس الدقة فيما لو وضعت آلية غير قابلة
للاختلاف على سبيل المثال ان يكون كل شهر فردي ثلاثون يوما وكل شهر زوجي
29 يوما أو العكس هذه الآلية لو اقرها المشرع تبارك وتعالى لما كانت تنتج
سوى اتفاق جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على الشهور ومناسباتها.
ومن المؤكد الذي لا ريب فيه ولا شك يعتريه أن تأسيس قاعدة موحدة للاتفاق
لم يكن خافيا على المشرع تبارك وتعالى فهو علام الغيوب وعالم السر والنجوى.
فلماذا شرع بدلا عن ذلك قاعدة الرؤية البصرية (صوموا لرؤيته وافطروا
لرؤيته) مع العلم بان هذه الآلية واضحة في إنتاج الاختلاف إذ لا يتفق
الناس على الرؤية إثباتا ونفيا مضافا إلى الاختلاف الفقهي المتشعب في
وسائل إثبات بدايات الشهور القمرية هذا الاختلاف ناشئ هو الآخر من الآلية
التي وضعها الإسلام في رسم طرق الاجتهاد وخلق عوامل الاختلاف في نتائج
الاستنباط وبالتالي لا يمكن إرجاع الاختلاف إلا لمن أسس أسبابه وخلق
أرضيته وليس ذلك إلا المشرع تبارك وتعالى.
فعلى سبيل المثال هناك اختلاف فقهي في آلية حكم الحاكم الشرعي لإثبات
الهلال وبداية الشهر مما يعكس اختلافا في النتائج حسب اختلاف النظرة
الفقهية لهذه الآلية اجتهادا وتقليدا.
وهناك اختلاف في آلية التطويق هل هي دليل على انه لليلة الثانية أم لا؟
مضافا إلى الاختلاف في إثبات الرؤية نفسها بغض النظر عن الخلافات التفصيلة
بشأنها وهكذا إلقاء اللوم على العلماء أو الفقهاء ليس سوى تحميلهم مسؤولية
تشريع لا يد لهم فيه فهم ليسوا سوى متلقين للتشريع ومطبقين له.
فمسؤولية الاختلاف هي مسؤولية الآلية ومسؤولية الآلية مسؤولية مشرعها تبارك وتعالى.
النقطة الثانية:
إذا اتضح رجوع المسألة لآلية تحديد بدايات ونهايات الشهور القمرية وبعد
الفراغ عن أن الفقهاء ليس لهم صلاحية التشريع أو تغيير التشريع فالسؤال
الحقيق بالطرح هو لماذا سنت آلية تنتج الاختلاف ولماذا قننت قاعدة تؤدي
كمقدمة إلى نتائج معلومة سلفا؟
ولهذا السؤال بنظري جوابان احدهما يقيني والآخر مجرد أطروحة لا تحمل صفية اليقين:-
اما الجواب الاول فهو ان تشريع هذه الآلية ينطلق حتما من حكمة واقعية نشأ
عنها هذا التشريع لوضوح انه تعالى حكيم لا يشرع شيئا يخالف موازين الحكمة
قيد شعرة.
ولكن السؤال ما هي هذه الحكمة؟
فالجواب عليه هو الجواب الثاني كأطروحة وهي باختصار:
بما أن غالب الناس تفكر بطريقة العقل الجمعي كما يسميها علماء النفس بما
أن لهذه الطريقة اثارا سلبية على التفكير الموضوعي وبالتالي الوقوع في
الخطأ نتيجة إتباع الآخرين خصوصا مثل الآباء والشخصيات المؤثرة.
لذلك يؤسس الإسلام لتشريعات كثيرة تهدف لكسر طريقة التفكير الأحادي وتحرره
من التبعية وتجعله يقبل الاختلاف بروح متسامحة فهو يريد منا أن نقبل من
يختلف مع قناعاتنا مهما كانت واضحة عندنا حتى لا نصاب بهوس الكراهية للآخر
فهو أسلوب عملي لترويض النفوس وتعليمها على التكيف مع سنة الاختلاف.
قال تعالى:
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) هود – 118
اسأل الله سبحانه التوفيق لإكمال طرح بقية النقاط حسب الفرصة وأسألكم الدعاء

شكرا على التوضيح سيدنا العزيز

احسنتم مولانا

احسنتم مولانا